مشروع تطوير منطقة ابيدوس الاثرية

العمارة أحد رواسم الإنسان يخاطب بها زمانه ويسجل بها إبداعياته لما بعد الزمان ؛ وليس مجال مسئوليتنا ترميم أثر بعينه أو حماية عناصر تراثية في حد ذاتها ، فتلك مسئولية تخصصية لآخرين لنا فيها دور مساعد ؛ ولكن جوهر مسئوليتنا إستقراء أنساق عمارة المكان الموجود به تلك الموروثات ، إستقراء تحليلي وأحياناً نقدي للموروث في ذاته ، وأكتشاف المنظومات الهندسية .. تلك الطاقات الكامنة التي تعطي للموجود وجوده وقيمته ؛ ثم صياغة عمارة ذات المكان أو مجاله العمراني اليوم من خلالها ولسنا هنا بقصد التقليد وتوظيف مفردات معمارية وتشكيلية تراثية ، ولكننا نعرج بالقدرة الإبداعية للتواصل مع القيمة المطلقة الماثلة في تلك المنظومات ، نعزف من خلالها ألحاننا الآنية ، في تناغم مع ما كان لنفتح الباب لما ممكن أن يكون .. ومن هذه الرؤية ننطلق لتطوير المناطق التراثية معتمدين على فهم وإدراك لمكنوناتها ويتأكد ذلك بتفاعل عمارة الأحتياجات المستحدثة وإنسجامها مع ذات المكان ؛ فتتشكل صورة جديدة قديمة لها دورها التنموي للمجال العمراني وللإطار المجتمعي المتفاعل معه .

المكان مصـر .. هبة النيل وأبداع الانسان ..

الانسان .. صانع الحضارة أدرك معطيات المكان وتفاعل معها ، فأبدع فلسفته .. فهم وحوار دائم بين الانسان والمكان ..

عبقرية المكان تكمن في الحوار بين النقيضين ، الحياة والموت ..وفلسفة الانسان في حضارته كانت في الخلود والحياة الأخرى والبعث ..هنا تتجسد شخصية المصري وقدرته على إبداع حضارة لم تقف عند إدراك المعطيات بل خرج منها إلى آفاق ما بعد الوجود ، إلى المطلق يلتمس هناك الأبدية التي لا تعرف حدود للزمان أو للمكان .. كما خرج من قبل من الأزلية ..

رحلة من الأزل إلى الأبد .. من الفناء إلى الخلود ..

حوار بين وادي النهر وبين رمال الصحراء ..

بين الخير والشر ..

بين أوزوريس وست ..

ويأتي حورس في أسطورة المصري ليعبر بالانسان تلك الحدود والحوارات ..

هنا كانت رحلة النهر من الجنوب إلى الشمال منبع الوجود .. تتقاطع معها رحلة الحياة من الشرق إلى الغرب في نقاط أستقرار وعبور للانسان ورحلته وحواره ..

حركة حلقية يدور فيها الانسان لينتقل من حالة إلى حالة .. يعبر عندها شريان الحياة والوجود عند تلك النقاط يسجل فيها وبها تجربته ويبدع من خلالها عمارة المكان بمفهومه الأشمل من الأزل إلى الأبد …

هي نقاط يبدأ عندها في الشرق وأخرى يعبر عندها في الغرب … لا ينتهي عندها ، ولكن تتحول حركته من الحياة إلى ما بعد الحياة .. من الوجود إلى الخلود ..

من هذه النقاط كانت منف وكانت أون وكانت طيبة .. عاصمة الدولة ومقر السلطة السياسية .

وكانت أبيدوس أو ابجو كما سماها المصري القديم .. العاصمة الدينية والعقائدية عند المصري القديم وقبلته في الرحلة والحوار .

ومن أبيدوس ينتسب ملوك الأسرتين الأولى والثانية في تاريخ الحضارة المصرية القديمة المسجل ، وبالأحرى إلى مدينة ثس أو طينة التي هي نفسها أبيدوس .. وكانوا قد أتخذوا لهم عاصمة دنيوية للسلطة والدولة هي “ هيراكتيوس “ أولاً ثم ممفيس بعد ذلك .. ولكنهم دفنوا في أبيدوس أو طينة عاصمتهم الدينية ، ومحطة أرتحالهم من عالم الوجود إلى عالم الخلود ؛ وظل يدفن فيها الملوك حتى بدأ التحول في العقيدة وعمارتها الجنائزية أبتداء من الأسرة الثالثة والتحول إلى الشمال لمنف وجبانتها .. ولكن أستمرت أبيدوس على مر العصور قبلة الحجاج ومزاراً دينياً مقدساً للعامة والخاصة من ملوك مصر ، ولا يكاد يخلو أثر في مصر من ذكر أسم المدينة ومعبوداتها ومناظر الحج والزيارة إليها .

أبيـدوس … إذن هي المـزار كعبة المصري القديم وباب الأبدية على مستوى المجتمع وقدس أقداس العالم القديم ؛ كانت عند النهر وفي الوادى وعلى حافة الصحراء حيث الخط الفاصل بين اليابس والرطب ، محور يواكب في توازي رحلة النهر من أعالي الجنوب إلى مصبه في الشمال ، فاصل بين الوجود والخلود .. محور أو خط الخلود .

لم تنفرد أبيدوس أو تخرج عن النسق ولكنها واحدة من تلك النقاط أو المحطات التي صاغها المصري على أمتداد هذا الفاصل .تتحاور وتتجاور مع أهرام الجيزة وسقارة ودهشور ومعهم منف في الشمال .. ومع وادي الملوك والملكات والدير البحري ومعهم طيبة في الجنوب .. تعلو كثيراً وتنسحب أحياناً ، ولكن تبقى هناك راسخة وقائمة تسجل لأوزوريس أسطورته ومن قبله ـ للمعبود ـ الذي حل مكان الإله “ أوب واوات “ أو “ أوبرات “ ( على هيئة أبن أوى ) أي فاتح الطرق ، وكان له معبد بدائي من الطوب اللبن في المكان الذي عرف فيما بعد بأسم “ حرم أوزوريس “ .

وقد عرفت المنطقة بأنها مركز رئيسي عقائدي لرحلة الخلود .. وأخذ يحل مكان أوبرات معبود آخر هو المعبود “ خنتي أمنتيو “ أي أول سكان الغرب الذي كان له معبد في أبيدوس ويعتقد أنه كان لخوفو ، ولكن عبادته لم تستمر طويلاً ، حيث سرعان ما حلت محلها عبادة أوزوريس التي كانت أصلاً متصلة بدلتا النيل ، وخاصة مدينة “ تت “ أو “ دادو “ ، التي عرفت أيام الأغريق بأسم “ بوزيريس “ ( أبو صير ) وأصبح أوزوريس يلقب بأول سكان الغرب ، وأنتشرت عبادته في المنطقة وأستمرت فترات التاريخ القديم ، وتبعاً لأسطورة أوزوريس يعتقد أن أبيدوس مكان دفن رأس الآله ..

ونظراً لتلك المكانة الدينية والسياسية التي حظت بها المدينة بالإضافة إلى موقعها وموضعها على الخريطة الجغرافية والعمرانية لمصر ، حرص جميع ملوك مصر القديمة على إقامة منشآت مدنية ودينية : حصون أو قلاع أو منازل أو معابد … ومقابر ، في مختلف العصور ، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر البيزنطي ؛ وتركزت إقامة هذه المباني التاريخية فيما بين الجبل الغربي وحتى حافة الوادي الخصب ( محور أو خط الخلود ) ؛ كما حرص هؤلاء على توسعة المعبد الكبير لأوزوريس وإضافة مبان وتحسينات إليه على التتابع ، كما فعل بيبي الأول وبيبي الثاني من الأسرة السادسة ، ثم جيتي من الأسرة التاسعة ، ومنوحتب من الأسرة الحادية عشر ، وسنوسرت من الأسرة الثانية عشر الذي قام أيضاً ببناء مركب مقدس لأوزوريس ، وكذلك بنى سنوسرت الثالث معبداً لنفسه حيث نحت قبراً صخرياً هناك وزين معبد أوزوريس بالذهب وبتمثال جديد للمعبود ، وفي الأسرة الثامنة عشر قام تحتمس الثالث بأعمال ترميم للمعبد ، كم أوقف تحتمس الرابع أرضاً شاسعة على المعبد وخصص لمذابحه دخلاً ثابتاً من أضحيات الحيوانات والطيور ..

هكذا عاشت أبيدوس في وجدان المصري وكانت أمنيته دوماً أن يدفن هنا ليحظى بقدسية أوزوريس في رحلته إلى الحساب والخلود والبعث ، أو يتطلع لجسده على الأقل حتى ما بعد الموت للحج إلى أبيدوس ثم العودة لمكان دفنه إذا كان في جهة أخرى ؛ وإذا لم يستطع هذا ولاذاك ، فيقيم له لوحة تذكارية أو أقل القليل إضافة إناء تذكاري في أبيدوس قبلة المصريين القدماء ، ومن تماثيل الأفراد التي وجدت بأبيدوس تمثال عاجي الملك خوفو من الدولة القديمة ، ومن عصر الدولة الوسطى تمثال من الحجر الجيري الملون لـ “ سات حاتحور “ وتمثال خيتي من الجرانيت الأسود وتمثال “ نف دي نت “ الكاهن ورئيس أطباء أحمس الثاني …

journal_Page_123

journal_Page_124

journal_Page_125

journal_Page_126

journal_Page_127

journal_Page_128

journal_Page_129

journal_Page_130

journal_Page_131

journal_Page_132

journal_Page_133

journal_Page_134

لقراءة الدراسة الكاملة لـ مشروع تطوير منطقة ابيدوس الاثرية http://www.walycenter.org/ar/research/studies

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s