بقلم .. طارق والي …
مقدمـــــة ..
نحن لا نقدم نظريات في المطلق بقدر ما نرصد وجودها في الواقع ..
وبقدر عمق النظرية يكون أمتداد ظلها على الأرض ..
منهجية أرتضيناها ونمارسها .. نؤمن بهـــا ونطبقها ..
وتبقى قناعاتنا أن المواقع التاريخية التراثية والأثرية تقدم صوراً لميلاد إبداعيات تجسد عبقرية التقابل بين الإنسان وعصره ، وتمثل طاقات كامنة يختزنها المكان على طول الزمان ، لتكون إمكانية قراءة متجددة لإبداعات حضارية كانت ومستمرة ، ومن هذه الرؤية تنطلق فلسفة تنمية تلك المواقع وحمايتها من خلال إعادة تقويم العملية الإبداعية نفسها وإعادة إكتشافها في صورتها المطلقة المتمثلة أحياناً في التناقض الظاهر أوالتفاعل الباطن . تتعدى تلك التنمية التجميل الظاهر إلى استحضار القيمة الحضارية بصورة تجعل الموقع ذاته متفاعلاً مع الزمن الحاضر، مع رسم صورة جديدة قديمة تتيح لنا أن نرى ونسمع لحضارة كانت ، وتكتسب عملية التنمية بعداً مغاير عندما تعاني المواقع من تدهور وتكون مهددة بالضياع والاندثار، فتظهر أولوية الحفاظ عليها وحمايتها ، وهي ليست مشكلة حديثه في عمرها الزمني ولا محلية في حدودها المكانية ، وتعددت المناهج والتجارب في الحفاظ على المواقع الأثرية ..
وعلى المستوى المحلى تواترت المحاولات من التجربة الرائدة في نقل المعابد المهددة بالغرق نتيجة بناء السد العالي ، مروراً بالاكتفاء بالصيانة الدورية أو الترميم إلى فرض قواعد على الزائرين داخل حرم تلك المواقع ، وصولاً إلى غلق المواقع المهددة امام الزيارة بصفة مؤقتة أو دائمة .
أما على المستوى الدولى ظهرت الكثير من المنهجيات والتقنيات التي أستهدفت الاستمرارية المادية للمواقع الاثرية في مواجهة خطر الاندثار والضياع ، وتبني منظومات علمية حديثة في الحفاظ على تلك المواقع وحمايتها ومعها تتحقق الاستمرارية المادية والثقافية .
مدينة طيبة الجنائزية ـ المقابر الملكية المصرية ..
تأتي “مدينة طيبــة” في مقدمة المواقع الأثرية المصرية هنا في أعالي النيل ، وعندها شكل المصري القديم مدينة جنائزية على جبال الغرب في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والحادي عشر قبل الميلاد ، تضم مقابر ملوك ونبلاء الدولة الحديثة الممتدة خلال عصور الأسرات الثامنة عشر وحتى الأسرة الواحدة والعشرين ، بالإضافة لمقابر زوجات الملوك والنبلاء وأبنائهم وبعض القبور التي لم يتم تحديد هوية أصحابها ، ومع رمسيس الأول كان وادي الملكات على مقربة من وادي الملوك .. وعموماً أمست تلك المنطقة مركزاً للتنقيبات الكشفية منذ نهاية القرن الثامن عشر وإلى اليوم ، وتم أعتماد مدينة طيبة الجنائزية بالكامل كموقع للتراث العالمي سنة 1979 . وتتميز عموماً المقابر الملكية بجداريات تعبرعن العقائد الدينية والمراسم التأبينية في ذلك العصر، وبالرغم أن غالبية المقابر المكتشفة قد تم فتحها ونهبها في عصور قديمة ، إلا أنها أستمرت دليلاً على حضارة ذلك الزمان ، مما جعل منها مركز جذب للزائرين والدارسين وكذلك لصوص وتجار الآثار على مدى قرون من التعدي والنهب قديماً وحديثاً .

موقع التراث العالمي لمدينة طيبة الجنائزية
الاخطار التي تتعرض لها المقابر الملكية بمدينة طيبة الجنائزية ..
أدت شهرة المقابر الملكية وتفردها إلى تزايد أعداد الزائرين ومعها تفاقمت المشاكل التي لحقت بالنسيج العمراني للمنطقة وكذلك البنية المعمارية للمقابر، فقد ازدادت معدلات الزيارة للمقابر الملكية بصورة مضطردة من بضع عشرات من الزوار يومياً في ستينات القرن العشرين لتصل إلى أكثر من 7000 زائر يومياً سنة 2005 ، ومع نهاية العقد الماضي وصل عدد الزيارات للمنطقة إلى 1.8مليون زائر سنوياً ، مما يشكل احد أهم وأخطر العوامل التي تهدد المنطقة واستمراريتها المادية والثقافية حيث تؤدي هذه الزيارات إلى احداث نوع من التغير المناخي داخل المقابر وتغيرات في درجات الحرارة والرطوبة ، بالإضافة إلى سلوكيات الزائرين ، مما يؤثر بشدة على رسومات الجدرايات وتآكلها أو سقوطها ، وبالطبع هناك متطلبات مستجدة لخدمة تلك الزيارات منها تدخلات في طبيعة المقابر وبنيتها الاساسية حيث تقتضي الحاجة إلى تركيب أعمال اضاءة وتهوية وإنشاء مداخل مجهزة لحركة الزوار وخدمات للمنطقة السياحية مما يغير في كثير من الاحيان من طبيعة المكان وملامحه الأصلية .

الزيارات للمقابر الجنائزية – The Thebean Mapping Project Cairo 2006
بالإضافة إلى التهديدات الطبيعية التي تواجهها المقابر والتي تتمثل في السيول وعدم الاستقرار الجيولوجي واخطار الانهيارات الناتجة عن عدم الاستقرار الهيكلي النسبي للحجر الجيري ، والتغيرات البيئية للوادي حيث يقع الوادي في منطقة تتعرض لسبعة مسارات فيضانية نشطة تصب في قلب الوادي ، وهي المنطقة التي تعرضت تاريخياً للفيضانات في نهاية عهد الأسرة الثامنة عشر الأمر الذي أدى إلى ردم العديد من المقابر تحت ترسيبات الفيضان ، وهو ما أكدته أعمال التنقيب أثناء اكتشاف كل من مقبرة 63 ومقبرة 62 ومقبرة 55 ، والتي تم الكشف عنها في الأرضية الصخرية الفعلية للوادي والتي غطتها الترسيبات الفيضانية والتي تنخفض لأكثر من خمسة أمتار عن مستواها الآن ..

التدهور الذي تتعرض له المقابر الجنائزية – Art and eternity .The Nefertari Wall Paintings Conversation Project 1986 – 1992
ويرجح المتخصصون ان في ظل تلك العوامل
فإن المقابر الملكية في مدينة طيبة الجنائزية
قد تكون مهددة بالاندثـــــــــــــــــــار خلال الـ 25 سنة القادمة
الحفاظ على المقابر الملكية ..
إن التعامل مع المقابر الملكية المصرية ينبغي ان يكون فائق الحساسية ، فعلى الرغم من ان تلك المنشآت الفريدة قد عاشت آلاف السنوات وتحملت عصوراً طويلة من التعدي والنهب والسرقة ونجت من الكثير من العواصف والسيول الا انها اليوم غير قادرة على الصمود ، ووسائل الحفاظ والترميم التقليدية ليست دائما هي الانسب للحفاظ على الوجود المادي لتلك المواقع الفريدة ، فإذا كانت الاجراءات الخاصة بحماية المقابر الملكية ومحيطها المكاني تؤثر على البقاء المادي لها فان الهيئات المعنية قد تتخذ احيانا اجراءات أكثر حسماً لحماية تلك المقابر فتقوم بغلقها امام الزائرين ، وفي جميع الحالات تفشل الوسائل التقليدية في الحفاظ والتعامل مع المقابر الملكية في تحقيق التوازن المطلوب بين استدامة الوجود المادي للمقابر وفي الوقت نفسه تمكين العامة والدارسين من التفاعل معها والتواصل مع ما تحمله من قيمة ثقافية صمدت آلاف السنوات وتستحق أن تبقى لاجيال قادمة .
وهنـــاك بُعد آخر هام وسابق لكل تلك العوامل .. إن تلك المواقع ونقصد المقابر الملكية فهي في حقيقتها الراسخة في العقيدة المصرية القديمة بوابات الخلود للحياة الابدية ، ولم يصممها المصري القديم لتكون مفتوحة للزيارة أو حتى الدخول ، ولكنها مغلقة على نفسها لضم المومياوات في عالم الابدية انتقالاً من الحياة إلى الخلود حتى البعث .. وهو ما نتعدي عليه اليوم دون وعي لطبيعة المكان وفلسفة وجوده مما يؤثر على ادراكنا وبالتالي استمراريته الثقافية ، كما كانت التعديات والتغييرات تهدد استمراريته المادية.
فكانت الحتمية بالضرورة البحث على منهجية مغايرة
لحماية “المقابر الملكية” بوابات الأبديــــة في مدينة طيبة الجنائزية
التقنية الحديثة في خدمة التراث الانساني في المقابر الملكية المصرية ..
مما تقدم نؤكد على حتمية تبنى مناهج ورؤى مغايرة للتعامل مع تلك المواقع الفريدة لضمان الاستمرارية المادية للموقع وعمارته دون أن يؤثر ذلك على التفاعل معه ثقافياً ، مع الأحذ في الاعتبار معايير الدولية للحفاظ على التراث الثقافي ، ومن هنا تصبح الامكانيات لتحقيق ذلك محدودة في بعض الاحيان وذلك طبقا لطبيعة الموقع الاثري والتفاعل المستهدف معه .
وفي مشروع حماية المقابر الملكية نتعامل مع أحد المنهجيات التي استخدمت حديثاًعلى المستوى الدولي في الحفاظ على المواقع الاثرية ، وهي :
- التسجيل الرقمي ثلاثي الابعاد عالي الجودة للمواقع الاثرية (High Resolution 3D Recording ) .
- انتاج مستنسخات للمواقع أثرية (Production of Exact facsimiles) .
حيث تتيح تقنية التسجيل الرقمي ثلاثي الأبعاد إمكانية التوثيق الكامل والدقيق والحصول على نسخة رقمية دقيقة عالية الجودة من أي موقع أثري ، مما يجعلها ـ النسخة الرقمية ـ قابلة للنشر والتداول بين الأوساط العلمية والمتخصصين ، وكذلك متاحة للدراسة والفحص الدقيق بكافة التقنيات الممكنة دون المساس بالموقع الاصل ، كما تمنح المستنسخات امكانية تحقيق تجربة زيارة الموقع الأصلي دون الاضرار به ، وجعله متاحاً دون الخوف من تأثره أو ضياعه وحرمان الأجيال القادمة منه ، وقد ثبت دولياً فعالية استخدام تلك التقنيات لتسجيل وكشف تاريخ العديد من المواقع الفريدة ، وأكتسبت هذه المنهجية في الحفاظ على الكنوز الأثرية قبول واسع ليس بوصفها فقط أكثر فعالية في حماية المواقع المهمة والمعرضة للخطر ، وإنما أيضا لأنها تسهم في دراستها كما تساعد على مراقبة حالة هذه الآثار وتآكلها ، وقد قدم التطور في مجال التقنيات الرقمية فهم جديد ومتسارع لمسألة الحفاظ على التراث الثقافي .
ونتيجة لذلك التحول طورت مؤسسات متخصصة تقنيات جديدة مما افرز العديد من مستنسخات لمواقع أثرية سواء في موقعها الأصلي أو في المعارض الجوالة ، مما أدى بالتبعية إلى تحول الاهتمام للعامة إلى قوة مساعدة في حماية المواقع الاثرية وخلق نوع جديد من السياحة الثقافية المُدركة أن كل زيارة مؤثرة سلبا لمواقع التراث تكاد يكون عملا من أعمال التعدي السلبي ، وأن لكل زائر دور فعال ايجابي في الحفاظ على المواقع الأثرية لا يقل في أهميته عن دور القائمين على رعايتها . وتأتي تجربة مؤسسة فاكتوم أرت الأسبانية في تطوير تقنيات جديدة لتسجيل وفحص وأرشفة المواقع التراثية والأثرية والكشف عن تاريخها .واثبتت تلك المنهجية دوليـــاً ان السياحة الثقافية هي المستقبل الفعلى للحفاظ على التراث الانساني ..
- في جنوب غرب فرنسا يزورالآلاف من الزوار يومياً مستنسخ Lascaux II الذي تم بناؤه سنة 1983 .
- تم بناء مستنسخ كهف NeoCueva في ألتاميرا سنة 2001 في شمال أسبانيا ، ويجذب الآن ثلاثة أضعاف عدد زوار الكهف الأصلي ، الذي تم إغلاقه سنة 1979 .
- مقابر أترورسكان في تاركينيا Etruscan tombs in Tarquinia التي تواجه العديد من المشاكل نفسها التي نواجهها عندنا في المقابر الملكية في مدينة طيبة الجنائزية .
- كما استخدمت أنظمة التصوير الثلاثي الأبعاد في المتحف البريطاني في لندن وفي البيرجامون ببرلين وفي المتحف الوطني للفنون في دريزدن ، ومتحف الآثار والمكتبة الوطنية ومتحف النقوش الوطني ومتحف ديل برادو في مدريد ، و متحف اللوفر، ومتحف بريرا ميلان ، ومتاحف أخرى عديدة .
ولا تزال هذه المواقع في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا تجذب أعداد هائلة من الزوار. أما على المستوى المحلى فقد كانت كانت أول تجربة لمصر في مجال التصوير الضوئي عالي الدقة وانتاج مستنسخ لمقبرة تحتمس الثالث سنة 2003 ، للمشاركة في معرض في المتحف الوطني للفنون في واشنطن ، الذي قام بجولة في سبعة متاحف في الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات واستقبل حوالي 3 مليون زائر ، وعرضت نسخة المستنسخ في المتحف القومي اللآثار في مدريد ولاقت نجاحاً كبيراً وجالت في اثني عشر متحفاً آخر .
مشروع التوثيق الرقمي وانشاء متحف موقع
لمستنسخات مقابر نفرتاري ـ سيتي الاول ـ توت عنخ امون ..
كانت الخطوة الثانية والأهم في هذا المجال الجديد سنة 2009 المبادرة التي قدمتها كل من :
- جامعة بازل ـ سويسرا
- وجمعية أصدقاء المقابر الملكية في مصر ـ زيوريخ
- ومؤسسة التقنية الرقمية للحفاظ على التراث Factum Arte ـ مدريد
- ومركز طارق والي العمارة والتراث ـ القاهرة
مبادرة للتسجيل الرقمي ثلاثي الابعاد عالي الجودة وانتاج مستنسخات لثلاثة من أشهر المقابر الملكية المصرية وأكثرها تعرضا لعوامل التدهور ، وعرض تلك المستنسخات بشكل دائم في متحف موقع بمدخل وادي الملوك بالاقصر، ليصبح التسجيل الرقمي لتلك المقابر متاحاً للنشر والدراسة في كافة الاوساط العلمية والاثرية بل وايضا الدراسة والفحص ولكن دون المساس بالمقابر الاصلية ، وتوفرالمستنسخات فرصة لمعايشة نفس تجربة الزيارة الاصلية . وقدرت دراسة الجدوى الابتدائية للمشروع حينها ان ما يزيد عن 500,000 زائر سيقومون بزيارة الموقع سنوياً ، هذا بالإضافة إلى امكانية اقامة المعارض الخاصة بدراسة كل مقبرة وانشاء موقع الكتروني يتيح مشاهدة ودراسة النسخة الرقمية من تلك المواقع عن بعد ، وهو ما سيساهم في الاستمرارية الثقافية والمادية للمقابر الملكية في مدينة طيبة الجنائزية على المدى الطويل ، والمقابر الملكية المعنية هي ..
مقبرة نفرتاري ..

مقبرة نفرتاري – Art and eternity .The Nefertari Wall Paintings Conversation Project 1986 – 1992
اكتشفها سكياباريللي سنة 1904وكانت قد كُسرت وسُلب ما فيها واختفت الكنوز التي كانت بها ، وحُطم تابوتها وسرقت المومياء . وتعتبر الرسوم الجدارية في مقبرة نفرتاري من أجمل رسوم الفن الجنائزي الفرعوني وتعتبرمن أشهرها وأكثرها اكتمالا حيث تمثل ما يوازي حوالي 5200 قدم مربع من اللوحات الجدارية بالاضافة الى سقف حجرة الدفن . ونظرا لاهميتها وتفردها فقد لاقت اهتماما كبيرا منذا اكتشافها فعلى سبيل المثال في العشرينات من القرن الماضي رعى متحف المتروپوليتان في نيويورك عملية كبيرة لتوثيق الرسومات بتصويرها ضوئيا. وقدعانت المقبرة من التدهور المستمر والمتسارع منذ اكتشافها وحتى سنة 1971 حيث فقدت الكثير من رسومات وألوان الجدران بالاضافة إلى حدوث تغييرات جذرية في هيكل المقبرة نفسها نتيجة لتعرضها للغمر بمياه السيول ، وفي النهاية لجأت الحكومة المصرية إلى إغلاق المقبرة أمام الزوار في أواخر ثلاثينات القرن الماضي بسبب المشاكل المختلفة التي تهدد الجداريات ، ومن سنة 1986 حتى سنة 1992 كانت عمليات الترميم ، وعند الانتهاء منها ظلت المقبرة مغلقة لمدة خمس سنوات عندما أعيد فتحها مرة اخرى ولكن مع تقليل عدد الزوار الى 150 زائر في اليوم ، ومع بداية العقد الثاني من هذا القرن قررت الجهات المعنية غلق المقبرة مرة أخرى .
المقبرة حاليا مغلقة لعامة الناس و لكن ما يزال يمكن زيارتها خلال مواعيد خاصة .
مقبرة سيتي الاول ..

مقبرة سيتي الاول – http://www.touregypt.net/featurestories/seti1t.htm
اكتشفها جيوفاني بلزوني سنة 1817 وهي من أهم المقابر الملكية من ناحية الحجم والرسومات الجدارية ، يزيد عمقها عن 137 متر وبمساحة إجمالي حوالي 650 متر مربع ، وتمثل قمة التطور في عمارة المقابر الملكية في الدولة الحديثة .. فهي الأطول والأعمق والأكثر اكتمالا بين مقابر وادي الملوك .. كما إن جدرانها مغطاه بالكامل بمساحات مبهرة من الجداريات والكتابات والرسومات . وقد عانت المقبرة كثيراً من أيدي المخربين ، ولعدة أسباب تلاشت الكثير من الالوان الزاهية للجداريات بعضها بسبب الرطوبة والبعض الآخر نتيجة الزمن وسلوكيات الزائرين ، واجزاء اخرى من الجدران قد اسودت النقوش المرسومة عليها نتيجة الدخان من الشموع والمشاعل التي أستخدمها أوائل الزائرين في القرن التاسع عشر ..كما تعرضت خلال تاريخها لكثير من التعديات والتغييرات أهمها كان تعرضها للسيول المتكررة اكثر من مرة خلال تاريخها الحديث ومنذ اكتشافها مما اأدى الى سقوط اجزاء كبيرة من الجداريات ورسومات الاسقف بالاضافة الى اعمال الحفاظ والوقاية المختلفة التى اجريت عليها منذ اكتشافها . وانتاج مستنسخ لمقبرة سيتي الأول هو الجزء الأكثر طموحا في المشروع ، ولا يرجع ذلك فقط إلى الحجم الكبير للمقبرة ، ولكن يعود أيضا إلى صعوبة إعادة تجميع الأجزاء الناقصة من المقبرة والتي فقدت في القرن التاسع عشر، حيث هناك أكثر من 2000 قطعة متواجد في متاحف مختلفة في أوروبا والولايات المتحدة ويمكن عن طريق التسجيل الرقمي ثلاثي الابعاد اعادة انتاجهم ومشاهدة المقبرة مكتملة لاول مرة مع المستنسخ .
المقبرة مغلقة امام الزيارة العامة
مقبرة توت عنخ امون ..

مقبرة توت عنخ آمون
اكتشفها هوارد كارتر سنة 1922، وهي اول مقبرة تم اكتشافها بكامل محتوياتها وكنوزها وبحالتهااا الاصلية تماماً وتتميزبجداريات غرفة الدفن وأبعادها 3.64× 4.11متر وبأقصى عرض 6.35 ، وهي مزينة بالكامل بمشاهد متتالية في اتجاه عقرب الساعة من كتاب الموتى ، وعدة مشاهد تصور توت عنخ آمون يقابل الآلهة ومن ضمنهم أوزوريس ورسوم رائعة تحكي قصة رحلة توت عنخ أمون إلى عالم الأبدية ، وتحوي غرفة الدفن التابوت . وتعرض غالبية محتويات المقبرة 1700 قطعة في المتحف المصري بالقاهرة والقطع الآخرى مخزونة في المتحف ، و بعض منها يعرض في متحف الأقصر . ومنذ اكتشاف المقبرة تمثل محور جذب للمهتمين بالحضارة المصرية القديمة عموماً ، وواحدة من اهم المزارات السياحية في مصر مما جعلها من المواقع الاكثر عرضة لعوامل التدهور المتسارع عبر السنوات ودفع القائمين عليها بحلول سنة 2007 بفرض رسوم إضافية لدخول المقبرة غير تلك المفروضة لدخول وادي الملوك ، كما تم تحديد عدد زوار المقبرة إلى 400 زائر يوميا .ثم اغلاقها امام الزيارة السياحية منذ سنة 2011 .
المقبرة مغلقة ويمكن زيارتها خلال مواعيد خاصة .
عناصر مشروع التوثيق الرقمي وانشاء متحف موقع لمستنسخات المقابر الثلاث ..
- التسجيل الرقمي ثلاثي الأبعاد على درجة وضوح عالية ، لكل الأسطح والجداريات داخل المقابر .
- انتاج مستنسخات للمقابرالثلاث وبعض محتوياتها .
- انشاء متحف موقع بالبر الغربي سيتم فيه تركيب المستنسخات لكل من هذه المقابر .
- انشاء أرشيف رقمي عالي الجودة يكون مرجع أساسي لرصد التغيرات على حالة المقابر .
- انشاء مركز للتدريب على المسح الضوئي يتم فيه اتمام علمية التدريب لكوادر محلية .
المرحلة الاولى ــ مستنسخ ومتحف موقع مقبرة توت عنخ امون ..
تمثل تلك المرحلة البداية الحقيقية نحو رفع مستوى الحفاظ للمقابر الملكية كما انها تمثل بداية لتبني افكار جديدة من شأنها منح بعداً معرفياً وتثقيفياً للمواقع الاثرية ، وبدأ العمل بمقبرة توت عنخ امون 16 مارس 2009 وأنتهت مرحلة تسجيل البيانات 6 مايو 2009 ، وتم بناء مستنسخ المقبرة وتركيبها في 3 اشهربدأت يناير 2014 وأنتهت في أول ابريل 2014 ، وكان توفير تمويل المشروع بأكمله من دعم ومعونات وتبرعات الجهات الدولية المهتمة بنشر الفكرة والحفاظ على التراث ، وإجمالي تمويل تنفيذ المرحلة الاولى من المشروع حوالي 20 مليون يورو . وتكون المشروع من ثلاثة عناصر رئيسية هي :
أولاً ــ التسجيل الرقمي لغرفة الدفن ..
تمت مرحلة التسجيل الرقمي لمقبرة توت عنخ امون على عدد من المراحل يمكن تلخيصها في :
- المسح الضوئي ثلاثي الابعاد للمقبرة
المسج الضوئي ثلاثي الابعاد للمقبرة
- التصوير الفوتوغرافي في مقبرة توت عنخ آمون
التصوير الفوتوغرافي للمقبرة
- مراقبة العمل و تصوير الألوان في المقبرة
مراقبة العمل وتصوير الالوان بالمقبرة
- تسجيل الألوان ودراسة حالتها
تسجيل الالوان ودراسة حالتها
ثانياً ــ انتاج مستنسخ حوائط واسقف غرفة الدفن ..
تم انتاج مستنسخات الحوائط والاسقف ، وكذلك التابوت باستخدام تقنيات عالية الجودة في الحفر ثلاثي الابعاد يضمن الدقة المطلوبة وهو الجزء الأكثر تكلفة وأستغرق الوقت الأطول في عملية انتاج المستنسخ ، وبمساعدة من معهد جريفيث في أكسفورد ، الذي زود فريق العمل بصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود لجزء مفقود من الجدار الجنوبي لغربة الدفن ، وتم اعادة الالوان لتلك الصورة باستخدام وثائق عالية الدقة للجدار الجنوبي المسجلة في المقبرة في سنة2009 حيث درست الصورة الفوتوغرافية عن كثب وتمت إزالة الشظايا التي بقيت على سطح الجدار ، وطباعة الرسومات التي كانت موجودة على الجدران باستخدام نفس نماذج الالوان الموجودة بالمقبرة ، وإعادة انتاج الأجزاء المفقودة ..

انتاج مستنسخ حوائط واسقف غرفة الدفن

استنساخ الحائط الذي تم هدمه اثناء فتح المقبرة (من الصور الفوتوغرافية القديمة)
ثالثاً ــ انشاء مستنسخ المقبرة ومتحف الموقع ..
يهدف انشاء متحف موقع مستنسخ مقبرة توت عنخ امون محاكاة تجربة الزيارة الاصلية مع اضافة عناصر مستحدثة للزيارة ، مع رفع الوعي باشكالية حماية الأثر ومساعدة الزائرين على تقبل حلها ، واهمية استخدام افكار مماثلة للحفاظ على المواقع الاثرية مما يعطي لسياحة المواقع الاثرية بعدًا اكثر استدامة ويلفت النظر إلى المخاطر التي تهدد بقاء مثل تلك المواقع والتي يعد اقلها هو حرمان الاجيال الحاضرة من زيارتها والاستفادة بما تمدنا به من معرفه . هذا بالطبع بالاضافة الى مايمنحه التوثيق الالكتروني الدقيق لمثل تلك المواقع من فرصا اوسع للتعمق في دراستها . بالاضافة إلى ايجابية التفاعل مع المجتمع المحلي والاستفاده من خبراته ومراعاة ظروف الموقع الاصلي والموقع المستحدث .
ويمثل هذا المشروع نموذجا للتزاوج الممكن بين الرؤية المعمارية والتقنية العالية ، حيث قام مركز طارق والى بتطبيق جديد لمنهجيته في استقراء المواقع الاثرية وتقديم معمار حديث يلبي احتياجات آنية ومستحدثة وفي الوقت نفسه ينبع من الروح الحضارية للموقع الاثري ، تم اختيارجوار متحف هوارد كارتر- مكتشف المقبرة – في مدخل وادي الملوك موقعا لمتحف الموقع مما يعد تعبيرا عما يمثله هذا المشروع من اعادة اكتشاف للامكانيات الكامنة في مثل تلك المواقع عموما وفي حالة مستنسخ مقبرة توت عنخ امون خاصة .
واتخذت الرؤية المعمارية لهذا المشروع مدخلا يتعدى كونه مستنسخ للمقبرة ، إلى كونه كمتحف موقع يحكي تاريخ المقبرة منذ اكتشافها ويمنح الزائر الكثير من المعرفة حول المقبرة ، ويوفي باحتياجات مستحدثة لا توفرها زيارة المقبرة الاصلية ، فعلى سبيل المثال يستوعب هذا المتحف مستنسخ غرفة الدفن وبالإضافة إلى مساحة معرض محدودة لشرح المخاطر التى تتعرض لها المقابر الملكية من جراء إرتفاع أعداد الزائرين للمقابر الأصلية. الامر الذي لم يكن ممكنا تطبيقه في المقبرة الاصلية ، بالاضافة الى جعله مناسب لذوى الإحتياجات الخاصة ومراعاة ذلك في تصميم مدخل المقبرة ، وغيرها من الاعتبارات التصميمية التي تجعل من الزيارة تجربة ثرية دون ان يخل ذلك بروح تجربة الزيارة للمقبرة الاصلية. حيث تم وضع التصميم المعماري للمتحف بناءا على التصميم الأصلى للمقبرة, مما يجعل من هذه التجربة المعمارية حالة متفردة ورائدة لمعمارى يستوحى من تصميم عمره الاف السنين منشأ جديد لإستعمال جديد.

انشاء مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( اثناء سير العمل )

انشاء مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( اثناء سير العمل )

انشاء مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( بعد الانتهاء )

انشاء مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( بعد الانتهاء )

مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( بعد الانتهاء )

مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( بعد الانتهاء )

مستنسخ مقبرة توت عنخ آمون ومتحف الموقع ( بعد الانتهاء )
المرحلة الثانية: مركز التوثيق الاثرى و المسح الضوئى

استراحة ستوبلير
في مصر فقد عرضت المؤسسة المنفذة لمستنسخ الجدران والاسقف القيام بالتوثيق من خلال ورشة عمل تقوم فيها المؤسسة بتدريب فريق عمل مصري على تقنيات المسح الضوئيلمرحلة التالية من المشروع وهي توثيق واستنساخ مقبرة سيتي الاول .. .. ونظرا لما تمثله اهمية استخدام اتلك التقنيات والتوثيق . على ان تقوم فاكتوم آرت بنقل التكنولوجيا اللازمة ،وتوفيرجميع المعدات اللازمة لتأسيس واحدة من حلقات العمل الأكثر تقدما في العالم معتمدة على التمويل اللازم من الرعاة الرسميين للمشروع ,مما سيمثل نواة لإنشاء مركز دائم للمسح الضوئي والتوثيق في الاقصر ،تكرس مجهوداته للحفاظ على التراث في مصرمع ضمان مستوىعالى من المهارة و المعرفة ،وبالتالى زيادة فرص العمل في المنطقة و تنمية المنطقة.
هذا ويقترح أن العمل لتسجيل المقابرسيتم تنفيذه من قبل فريق العمل المصري في الأقصروالتدريب تحت إشراف فريق من فاكتوم آرت لمسح و توثيق المقابر فى صورة رقمية ، وتحويل البيانات ومن ثم إعادة خلق المعلومات في صورة ثلاثية أبعاد بمقياس 1:1.
الأمل هو أنه مع مثل هذه الثروة من التراث الثقافى بمصر من عصور ماقبل الفرعونية وحتى يومنا هذا ،سوف تقوم ورشة العمل تلك بتطوير منظور التوثيق الاثري وخلق ادوات جديدة للحفاظ على المواقع الاثرية. ونتيجة لذلك فإنه سيتم الحفاظ ليس فقط على ما نعرفه بالفعل ولكن مع تطبيق التكنولوجيا مع المهارات البشرية مما سيؤدي إلى اكتشافات جديدة عن الماضي ، وبذلك تأمين مستقبل واعد لكلا التراث الثقافي و المجتمع المحلي .
بدأت في يناير 2016 المرحلة الثانية للمشروع للتسجيل الرقمي لمقبرة سيتى الأول وبناء متحف موقع لمستنسخ المقبرة ، ، ومن المتوقع تستغرق هذه المرحلة 3 ـ 5 سنوات . وفي مايو2016 بدأ العمل في ترميم واعادة توظيف استراحة ستوبلير كمركز التدريب على المسح الضوئي في البر الغربي للاقصر من المتوقع ان يستغرق العمل على اعداد الاستراحة وتجهيزها فترة زمنية تتراوح من 6 الى 9 شهور.
استراحة ستوبلير
جاءت الحاجة الى اختيار موقع بالقرب من وادي الملوك حيث ستجري اعمال التوثيق داخل المقبرة ليكون مقر لمركز التدريب على المسح الضوئي للمواقع الاثرية .. وقع الاختيار على ” استراحة ستوبلير ” التي بناها المعماري حسن فتحي عام 1950 لعالم الاثار الكسندر ستوبلير – مدير قسم الترميم في مصلحة الاثار المصرية “
اولا : لما تتمتع به من موقع مركزي علي هضبة عالية و بمحاذاة الطريق الرئيسي إلى وادي الملوك و الملكات .. حيث سيتم العمل في عمليات المسح الضوئي والتوثيق .
وثانيا ..يمثل اختيار الاستراحة التي كانت لعالم الاثار ” الكسندر ستوبلير ” بعدا رمزيا باستمرارية مسيرة البحث العلمي نحو اكتشاف المزيد من تراثنا العريق ..
واخيرا يقدم المشروع نموذجا فريدا لما يمكن ان تقدمه العمارة الانسانية من جديد وان هذا النوع من المعمار يستطيع ان يتماشى ويتوائم مع ظروف عصره ويساهم في تقديم الجديد الآن باعادة توظيفه كما ساهم عند انشائه . ومن ناحية اخرى فان التعامل مع المبنى من منظور استخدام مبنى قائم لوظيفة مستحدثة تختلف عن وظيفته الاصلية هو تحدي من نوع خاص…..
المبنى مهجور تقريبا منذ عقود مما ادى الى تردي حالته المعمارية والانشائية ، حيث يعاني الجزء الخلفي في الشمال الغربي من هبوط في الارضية مما يهدد سلامة المبنى . كما يحتاج الى اعمال صيانة شاملة للتشطيبات الداخلية والمرافق بالاضافة الى اعمال تنسيق الموقع الخارجية وتمهيد مداخل الاستراحة وكذلك اعمال تأمين المكان واعمال التأثيث والتجهيزات الفنية المطلوبة لاستخدامه كمركز تدريب على المسح الضوئي وتوثيق الاثار . مما يجعل من ترميم استراحة ستوبلير هدفا في حد ذاته حيث يحتاج الى الكثير من الاجراءات الانشائية الضرورية للحفاظ على سلامه المبنى .

استراحة ستوبلير

التدهور في استراحة ستوبلير
ختامـــــــــــــــاً ..
هــــــكذا يأتي مشروع مستنسخات المقابر الملكية تجربة جديدة لحل اشكالية حماية التراث ووضع الحلول المثلى للمعادلة الأصعب في تلبية احتياجات الزيارة لمواقع تراثية وأثرية صممت قديماً لعدم الزيارة ، بوابة مغلقة مع صاحبها إلى الأبدية والخلود حتى البعث .. عقيدة وحضارة عصر .
حلول تضمن الاستمرارية المادية لموقع قديم ..
والاستمرارية الثقافية لحاضر للتواصل مع هذا القديم ..
معنى جديد لفكرة البقاء والخلود أمتداد لثقافة موروثة عن الأجداد ..
اشكالية حماية التراث
الاستمرارية المادية والثقافية
بين
حماية الموروث لأجيال قادمة
وتحقيق المعرفة لأجيال حاضرة
المقابر الملكية في مدينـة طيبة الجنائزية بوابـة الخلود
لمعرفة المزيد عن المشروع :
http://www.factum-arte.com/pag/21/Work-on-the-Facsimile-of-Tutankhamun