افتتاحية العدد
العشوائية واحدة من تلك المفردات المتواترة بين العامة والمتخصصين دون الأتفاق على معنى محدد ، مفردة تستعمل في توصيف وضعية عمرانية أو حالة فكرية أو موقف انساني .. سلوك فردي أو جمعي أو مؤسسي .. أختلفت الأراء حول مفهوم العشوائية ويبقى المشترك بينها أنها حسب المدلول في اللغة : عمل على غير بصيرة أو هدى ، أو روية أو نور … ولكن تكمن اشكالية المصطلح في استعماله في غير موضعه لاسيما عمرانياً لوصف حالة أو ظرف أو مشكلة التدهور العمراني والفوضى العمرانية ، أو في مطابقة مخلة لمفاهيم التلقائية والتقليدية والموروثات الخارجة عن الأطر والمنظومات الرسمية وتشريعاتها .. وهنا تكمن أهمية التوافق على المصطلح ومدلوله ومعناه واستعماله في ممارساتنا العمرانية وفي حياتنا عامة ، والاجابة على الاسئلة
هل التخطيط المسبق للعمران بماديته هو ما يمنح هذا العمران النظام والشرعية الرسمية ؟
هل كل عمارة تلقائية مجتمعية وكل عمران غير رسمي هو عشوائية ؟
هل هناك حد فاصل بين مفاهيم الفوضى والعشوائية والتدهور والرسمية والتلقائية ؟
وفي هذا العدد من جريدة مركز طارق والي العمارة والتراث نفتح باب الحوار حول الاجابة عن تلك التساؤلات ، مع التأكيد على موقفنا المعلن أن التدهور العمراني والفوضى ادق مصطلحاً ومدلولاً عن المشاكل المجتمعية التي تعاني منها المجتمعات والمناطق التي لا تحقق الحياة الكريمة للانسان وتلبي حقوقه المشروعة ، وقد يرتبط مفهوم التدهور أحياناً بمصطلح المناطق الغير مخططة أو المبنية مخالفة للقوانين العمرانية والبنائية والصحية والبيئية والسلامة عامة ، أو تلك التي تمثل خطراً على المجتمع أو الضارة بالمصلحة العامة … ، مع الأخذ في الاعتبار من حيث المبدأ إنه من الممكن أن يتحول العمران الرسمي إلى عمران غير رسمي من خلال عمليات الامتداد أو التغيير اللاحق خارج الاطار القانوني أو المخطط الاساسي المعتمد والمنفذ سابقاً .. أي أن ليس كل القطاع الغير رسمي يمكن إدراحه تحت مسمى المناطق المتدهورة عمرانياً ، وفي المقابل ليس كل المناطق المتدهورة يمكن أعتبارها مناطق غير رسمية .
وتبقى رؤيتنا تعتمد استراتيجية تطوير وتنمية المناطق المتدهورة وخاصة الحضرية ويمكن أن تتحقق من خلال وضع منظومة للسياسات والبرامج ، ونعتمد في ذلك على إستقراء إشكاليات العمران وما تعانيه هذه المناطق ومجتمعاتها من ظواهر للتدهور أو المشاكل العمرانية والاجتماعية والاقتصادية وإجمالاً الانسانية والحياتية ، وتتعدد سياسات التعامل مع المناطق المتدهورة بشكل عام ولكننا نعتمد في موقفنا وممارستنا على سياسة الارتقاء .. باعتبارها سياسة شاملة في التطوير وتنمية المناطق المتدهورة محل الدراسة ، وتتمثل في الإرتقاء بالمناطق المتدهورة من خلال البرامج التالية لتكمل بعضها البعض ..
- الارتقاء بالمجتمع .. يشمل ذلك الارتقاء بالحالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ولابد وأن يتكامل مع الارتقاء بالعمران المتمثل في البنية الأساسية والخدمات الإدارية والاجتماعية والكتل المبنية ، وتنمية الأمكانات الاقتصادية والموارد للمجتمع .
- الارتقاء بالبيئة العمرانية .. تشمل البنية الأساسية وشبكات الطرق وممرات المشاة والنظافة والتنسيق ونظام تجميع المخلفات الصلبة والتخلص منها … الخ .
- الارتقاء بالخدمات العمرانية والمجتمعية .. بالإضافة إلى تنمية وتطوير الإدارة المحلية وترسيخ المشاركة المجتمعية وتنظيم وإدارة تلك المشاركة .
- الارتقاء بالكتلة المبنية .. شاملة العقارات والمنشآت والمباني السكنية والإدارية والتجارية بأنواعها ومستوياتها ، وإعادة تأهيل العقارات والمباني والمنشآت والفراغات العمرانية .
- توفير الموارد الاقتصادية ووضع الخطط والبرامج لتمويل المشروعات مع الجهات المشاركة لعمليات الارتقاء والتنمية المستدامة .
وقد تُصادف مشروعات الارتقاء الكثير من المعوقات خلال فترة التنفيذ ، ويتباين حجم وتأثير هذه المعوقات على سير العمل من مشروع لآخر ، إلا أنها تخلق فجوة بين منتج مرحلة التخطيط وبين ما يتم تنفيذه على أرض الواقع ، وتتسع الفجوة بين التخطيط والتنفيذ في بعض الاحيان لتصل إلى حد الفشل في تحقيق أهداف المشروع وعودة الاوضاع إلى سابق عهدها فور الانتهاء من المشروع . ومن الممكن تصور عدة مداخل لتفسير هذه الظاهرة ، منها قصور النظم الادارية التي تتبناها الجهة القائمة على التنفيذ ، وكثرة القوانين والتشريعات ، أو المركزية في التمويل ، بالاضافة إلى وجود فجوة بين المجتمع والمخططين ، الأمر الذي يجعل هذه المشروعات لا تعكس الاحتياجات الحقيقية لهذا المجتمع ، مما يجعل المجتمع والسكان قوة معاكسة تعرقل تنفيذ هذه المشروعات . ولذلك كانت حتمية المشاركة . ومن جهة أخرى فإن سكان المناطق المتدهورة تعيش وتعمل وتتفاعل مع بيئتها المحيطة في إطار من الديناميكية والتغير المستمر ، إن هذا التفاعل الدائم بين السكان وبيئتهم لا يساعدهم على تحديد رغبات واحتياجات محددة قبل بدء تنفيذ المشروع … فمع بداية التنفيذ يبدأ تفاعل من نوع آخر بين السكان والمشروع نفسه ، بحيث تتشكل أولويات السكان من جديد ، حتى إنه من الممكن أن تبدأ رغبات جديدة في الظهور ، إذن نحن في حاجة للمشاركة والمرونة معاً ..
- مشاركة المجتمع حتى يقوم الارتقاء لهم وبهم وبالتالي ضمان نجاح المشروع واستدامته ..
- المرونــة لتدعيم فكر المشاركة وتأكيدها مع ضمان فعالية الاستدامة ..
هكذا تقوم سياسات الارتقاء بالمشاركة على أن البشر هم اساس التنمية ، لذا يعمل مشروع الارتقاء للمناطق المتدهورة على تعبئة الاهالي وتحفيزهم وتدريبهم حتى يستمروا في الجهود المطلوبة لرفع مستواهم حتى بعد انتهاء التدخل الخارجي المدعوم بالخبرة والتمويل الذي تكفله ادارة المشروع ، وحتى لا تصبح مشاركة السكان لمجرد معرفة اولوياتهم لمشاكلهم ، ولكنها تأخذ أبعاداً أكثر أهمية .. إن قضية مشاركة اصحاب الشأن لا يمكن أختزالها إلى مشاركتهم في الاجتماعات التمهيدية التي يقتصر فيها دورهم على المساهمة في تحديد الاهداف والأوليات ثم يقوم الخبراء بعمل التخطيط واعتماده وبعدها يكون هدف ادارة المشروع منحصراً في تنفيذ الاعمال المعتمدة . إذن المشاركة في جوهرها هي عملية مستمرة بل إن اجزائها الأكثر أهمية والأعلى في العائد هي تلك التي تتم في مرحلة التنفيذ ، وهي التي يُمكنها أن تكسب المجتمع الخبرة والدافعية ليستمر بعد انتهاء المشروع .
ويمكن تحقيق هذا التزاوج بين المشاركة والمرونة معاً لتحقيق الاستدامة من خلال :
“منهجية التتخطيط التنفيذي ــ Action Planning Approach “
حيث اصبح هناك اتفاقاً على أن ما يتناسب مع مشروعات الارتقاء هو “منهجية التتخطيط التنفيذي” وهو من أكثر المفاهيم التي صاحبت منهجية “الارتقاء بالمشاركة” ..
ذلك المفهوم الذي ظهر مع ظهور فكر التنمية المستدامة . فأصبحت قضايا الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية تمثل هدفاً رئيسياً لمشروعات الارتقاء .
موضوعات العدد الحادي عشر من جريدة مركز طارق والي العمارة والتراث
هل هي عشوائية
- العشوائيات.. من يضع التعريف؟ .. نهير الجندي
- يلا نلعب عشوائي ، افلاس الرسمي وثراء العشوائي: تأملات في سردية العمران المصري المعاصر ، أ.د. علي عبد الرءوف
- المناطق اللارسمية ( العشوائية) تقدير الامكانيات و الفرص. .. د.علاء ياسين
- قصة ضياع قريتين.. القرنة 2016.مسئولية معمارية وطنية .. قضية حماية التراث أمن قومي .. طارق والي
- المشاركة المجتمعية مفتاح حل لغزالعشوائيات .. ريهام محمد كمال
- العشوائية اسلوب حياه .. شيرين رشدي
- العشوائيــــات ، بين عشوائية “البشر” المجتمع .. وعشوائية “الحجر” العمران .. محمد رشاد
- سوق العمرانية ضرورة مجتمعية ام ظاهرة عشوائية .. اوليفيا عيد
- عندما كان التخطيط الشامل هو الحل .. مصر في الستينات .. شيماء شاهين